عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( تسحروا فإن في السحور بركة )
الشرح
- ص 168 - قوله صلى الله عليه وسلم : ( تسحروا فإن في السحور بركة ) روي بفتح السين من ( السحور ) وضمها وسبق قريبا بيانهما . فيه : الحث على السحور ، وأجمع العلماء على استحبابه ، وأنه ليس بواجب ، وأما البركة التي فيه فظاهرة ؛ لأنه يقوي على الصيام ، وينشط له ، وتحصل بسببه الرغبة في الازدياد من الصيام ؛ لخفة المشقة فيه على المتسحر ، فهذا هو الصواب المعتمد في معناه ، وقيل : لأنه يتضمن الاستيقاظ والذكر والدعاء في ذلك الوقت الشريف وقت تنزل الرحمة ، وقبول الدعاء والاستغفار ، وربما توضأ صاحبه وصلى ، أو أدام الاستيقاظ للذكر والدعاء والصلاة ، أو التأهب لها حتى يطلع الفجر .
من كتاب صحيح مسلم بشرح النووي
1821 حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام حدثنا قتادة عن أنسعن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال ( تسحرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم قام إلى الصلاة قلت كم كان بين الأذان والسحور قال قدر خمسين آية )
الشرح
قوله : ( باب قدر كم بين السحور وصلاة الفجر ) أي : انتهاء السحور وابتداء الصلاة ؛ لأن المراد تقدير الزمان الذي ترك فيه
الأكل ، والمراد بفعل الصلاة أول الشروع فيها قاله الزين بن المنير .
قوله : ( حدثنا هشام ) هو الدستوائي .
قوله : ( عن أنس ) سبق في المواقيت من طريق سعيد عن قتادة قال : " قلت لأنس " .
قوله : ( قلت كم ) هو مقول أنس ، والمقول له زيد بن ثابت ، وقد تقدم بيان ذلك في المواقيت ، وأن قتادة أيضا سأل أنسا عن ذلك ، ورواه أحمد أيضا عن يزيد بن هارون عن همام وفيه أن أنسا قال : " قلت لزيد " .
قوله : ( قال : قدر خمسين آية ) أي : متوسطة لا طويلة ولا قصيرة لا سريعة ولا بطيئة ، وقدر بالرفع على أنه خبر المبتدأ ، ويجوز النصب على أنه خبر كان المقدرة في جواب زيد لا في سؤال أنس لئلا تصير كان واسمها من قائل والخبر من آخر . قال المهلب وغيره : فيه تقدير الأوقات بأعمال البدن ، وكانت العرب تقدر الأوقات بالأعمال كقوله : قدر حلب شاة ، وقدر نحر جزور ، فعدل زيد بن ثابت عن ذلك إلى التقدير بالقراءة ؛ إشارة إلى أن ذلك الوقت كان وقت العبادة بالتلاوة ، ولو كانوا يقدرون بغير العمل لقال مثلا : قدر درجة ، أو ثلث خمس ساعة . وقال ابن أبي جمرة : فيه إشارة إلى أن أوقاتهم كانت مستغرقة بالعبادة . وفيه - ص 165 - تأخير السحور لكونه أبلغ في المقصود . قال ابن أبي جمرة : كان - صلى الله عليه وسلم - ينظر ما هو الأرفق بأمته فيفعله ؛ لأنه لو لم يتسحر لاتبعوه فيشق على بعضهم ، ولو تسحر في جوف الليل لشق أيضا على بعضهم ممن يغلب عليه النوم فقد يفضي إلى ترك الصبح أو يحتاج إلى المجاهدة بالسهر . وقال فيه أيضا تقوية على الصيام لعموم الاحتياج إلى الطعام ولو ترك لشق على بعضهم ولا سيما من كان صفراويا فقد يغشى عليه فيفضي إلى الإفطار في رمضان .
قال : وفي الحديث تأنيس الفاضل أصحابه بالمؤاكلة ، وجواز المشي بالليل للحاجة ؛ لأن زيد بن ثابت ما كان يبيت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - . وفيه الاجتماع على السحور ، وفيه حسن الأدب في العبارة لقوله : " تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم " ولم يقل نحن ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما يشعر لفظ المعية بالتبعية . وقال القرطبي : فيه دلالة على أن الفراغ من السحور كان قبل طلوع الفجر ، فهو معارض لقول حذيفة " هو النهار إلا أن الشمس لم تطلع " . انتهى . والجواب أن لا معارضة بل تحمل على اختلاف الحال ، فليس في رواية واحد منهما ما يشعر بالمواظبة ، فتكون قصة حذيفة سابقة ، وقد تقدم الكلام على ما يتعلق بإسناد هذا الحديث في المواقيت وكونه من مسند زيد بن ثابت أو من مسند أنس .
من كتاب فتح الباري بشرح صحيح البخاري
روابط هذه التدوينة قابلة للنسخ واللصق | |
URL | |
HTML | |
BBCode |
0 التعليقات:
إرسال تعليق