الحمد لله والصلاة والسلام على خير البشر محمد ابن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعه وأقتفى أثره الى يوم الدين أما بعد أحبتي في الله حديثنا اليوم عن الإمام العلم ,الثبت, الشاعر الأديب,عالم العصر، ناصر الحديث، فقيه المِلَّة , مؤسس علم أصول الفقه و أحد الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب السنية الشهيرة مؤسس المذهب الشافعي رحمه الله تعالى
هوأبو عبد اللّه محمّد بن إدريس بن العبّاس بن عثمان بن شافع بن السّائب بن عبد اللّه بن عبد بن يزيد بن هاشم بن المطّلب بن عبد مناف بن قصيّ القرشيّ المطّلبيّ الشّافعيّ الحجازيّ المكّيّ . يلتقي مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في عبد مناف . فالإمام الشافعي (رحمه الله) قرشي أصيل. أمَّا أمُّه فإن أكثر من أرَّخ للشافعي أو ترجم له قد اتفقوا على أن أمَّه أزدية أو أسدية، فهي من قبيلة عربية أصيلة.
وُلِد بغزَّة , وقيل : بعسقلان والأصح انه ولد في غزة في شهر رجب سنةَ 150هـ/ أغسطس 767م، وهو نفس العام الذي توفى فيه ابو حنيفة . ولما بلغ سنتين قررت امه العودة وابنها الى مكة لاسباب عديدة منها حتى لايضيع نسبه ، ولكي ينشأ على ما ينشأ عليه اقرانه
<-> نشأة الإمام الشافعي
نشأ الإمام الشافعي من أسرة فقيرة كانت تعيش في فلسطين، وكانت مقيمة بالأحياء اليمنية منها، وقد مات أبوه وهو صغير، فانتقلت أمُّه به إلى مكة خشية أن يضيع نسبه الشريف، وقد كان عمرُه سنتين عندما انتقلت به أمه إلى مكة، وذلك ليقيمَ بين ذويه، ويتثقفَ بثقافتهم، ويعيشَ بينهم، ويكونَ منهم . عاش الشافعي في مكة عيشة اليتامى الفقراء، مع أن نسبه كان رفيعاً شريفاً، بل هو أشرف الأنساب عند المسلمين، ولكنه عاش عيشة الفقراء إلى أن استقام عودُه، وقد كان لذلك أثرٌ عظيمٌ في حياته وأخلاقه. حفظ الشافعي القرآن الكريم وهو في السابعة من عمره، مما يدل على ذكائه وقوة حفظه، ثم اتجه إلى حفظ الحديث النبوي، فحفظ موطأ الإمام مالك، قال الشافعي: «حفظت القرآن وأنا ابن سبع سنين، وحفظت الموطأ وأنا ابن عشر سنين» وكان الشافعي يستمع إلى المحدِّثين، فيحفظ الحديث بالسمع، ثم يكتبه على الخزف أو الجلود، وكان يذهب إلى الديوان يستوهب الظهور ليكتب عليها، والظهور هي الأوراق التي كُتب في باطنها وتُرك ظهرها أبيض، وذلك يدل على أنه أحب العلم منذ نعومة أظفاره قال الشافعي: «لم يكن لي مال، فكنت أطلب العلم في الحداثة، أذهب إلى الديوان أستوهب منهم الظهور وأكتب فيها»، وقال: «طلبت هذا الأمر عن خفة ذات اليد، كنت أجالس الناس وأتحفظ، ثم اشتهيت أن أدون، وكان منزلنا بمكة بقرب شِعب الخَيْف، فكنت آخذ العظام والأكتاف فأكتب فيها، حتى امتلأ في دارنا من ذلك حبان»
ــ رحلته إلى البادية
إضافةً إلى حفظ القرآن الكريم والأحاديث النبوية، اتجه الشافعي إلى التفصِّح في اللغة العربية، فخرج في سبيل هذا إلى البادية، ولازم قبيلة هذيل، قال الشافعي: «إني خرجت عن مكة، فلازمت هذيلاً بالبادية، أتعلم كلامها، وآخذ طبعها، وكانت أفصح العرب، أرحل برحيلهم، وأنزل بنزولهم، فلما رجعت إلى مكة جعلت أنشد الأشعار، وأذكر الآداب والأخبار». ولقد بلغ من حفظه لأشعار الهذيليين وأخبارهم أن الأصمعي الذي له مكانة عالية في اللغة قال: «صححت أشعار هذيل على فتى من قريش يقال له محمد بن إدريس» . إن القبيلة التي ضوى إليها الشافعي هي هذيل، وهم يوصفون بأنهم أفصحُ العرب، قال مصعب بن عبد الله الزبيري: قرأ علي الشافعي رضيَ الله عنه أشعار هذيل حفظاً ثم قال: «لا تخبر بهذا أهل الحديث فإنهم لا يحتملون هذا»، قال مصعب: وكان الشافعي رضيَ الله عنه يسمر مع أبي من أول الليل حتى الصباح ولا ينامان، قال: وكان الشافعي رضيَ الله عنه في ابتداء أمره يطلب الشعر، وأيام الناس، والأدب، ثم أخذ في الفقه بعد، قال: وكان سبب أخذه أنه كان يسير يوماً على دابة له، وخلْفه كاتبٌ لأبي، فتمثل الشافعي رضيَ الله عنه بيت شعر، فقرعه كاتبُ أبي بسوطه ثم قال له: «مثلك يذهب بمروءته في مثل هذا، أين أنت من الفقه؟»، فهزه ذلك، فقصد لمجالسة الزنجي بن خالد مفتي مكة، ثم قدم علينا فلزم مالك بن أنس رحمَه الله.
لما عاد الشافعي إلى مكة تابعَ طلبَ العلم فيها على من كان فيها من الفقهاء والمحدثين، فبلغ مبلغاً عظيماً، حتى أذن له مسلم بن خالد الزنجي مفتي مكة بالفتيا، فقد روي عن مسلم بن خالد الزنجي أنه قال للشافعي: «أفت يا أبا عبد الله، فقد والله آن لك أن تفتي»، وهو ابن خمس عشرة سنة، وقيل: وهو ابن ثماني عشرة سنة، وقيل: وهو ابن دون عشرين سنة .
<-> ملامح من شخصية الإمام الشافعي وأخلاقه وصفاته
كان الإمام الشافعي (رحمه الله) رجلاً طويلاً، حسن الخلق، محببًا إلى الناس، نظيف الثياب، فصيح اللسان، شديد المهابة، كثير الإحسان إلى الخلق، وكان يستعمل الخضاب بالحمرة عملاً بالسنة، وكان جميل الصوت في القراءة
ــ الذكاء وغزارة العلم
ومما روي عن ذكائه أنه كان ذاتَ مرةٍ جالساً مع الحميدي ومحمد بن حسن يتفرسون الناس، فمر رجل فقال محمد بن الحسن: «يا أبا عبد الله انظر في هذا»، فنظر إليه وأطال، فقال ابن الحسن: «أعياك أمره؟»، قال: «أعياني أمره، لا أدري خياط أو نجار»، قال الحميدي: فقمت إليه فقلت له: «ما صناعة الرجل؟»، قال: «كنت نجاراً وأنا اليوم خياط».
وقد وصف أبو زكريا السلماسي علمه فقال:
جمع أشتات الفضائل، ونظم أفراد المناقب، وبلغ في الدين والعلم أعلى المراتب، إن ذُكر التفسيرُ فهو إمامه، أو الفقهُ ففي يديه زمامه، أو الحديثُ فله نقضه وإبرامه، أو الأصولُ فله فيها الفصوص والفصول، أو الأدبُ وما يتعاطاه من العربية العرب فهو مبديه ومعيده، ومعطيه ومفيده، وجهه للصباحة، ويده للسماحة، ورأيه للرجاحة، ولسانه للفصاحة، إمام الأئمة، ومفتي الأمة، والمصباح الزاهر في الظلمة، في التفسير ابن عباس، وفي الحديث ابن عمر، وفي الفقه معاذ، وفي القضاء علي، وفي الفرائض زيد، وفي القراءات أُبَيّ، وفي الشعر حسان، وفي كلامه بين الحق والباطل فرقان.
ــ التواضع والكرم
كان الشافعي متواضعاً مع كثرة علمه وتنوعه، ومما يدل على ذلك قوله: «ما ناظرت أحداً فأحببت أن يخطئ، وما في قلبي من علم إلا وددت أنه عند كل أحد ولا ينسب إلي»، وعن الربيع بن سليمان أنه قال: «سمعت الشافعي، ودخلت عليه وهو مريض، فذكر ما وضع من كتبه، فقال: لوددت أن الخلق تعلمه، ولم ينسب إلي منه شيء أبداً»، وعن حرملة بن يحيى أنه قال: سمعت الشافعي يقول: «وددت أن كل علم أعلَمه تعلَمه الناس، أوجر عليه ولا يحمدوني». وقال أحمد بن حنبل: قال لنا الشافعي: «أنتم أعلم بالحديث والرجال مني، فإذا كان الحديث صحيحاً فأعلموني، كوفياً كان أو بصرياً أو شامياً، حتى أذهب إليه إذا كان صحيحاً».
كما كان الشافعي معروفاً بالكرم والسخاء، ومن ذلك ما قاله الربيع بن سليمان: تزوجت، فسألني الشافعي: «كم أصدقتها؟»، فقلت: «ثلاثين ديناراً»، فقال: «كم أعطيتها؟»، قلت: «ستة دنانير»، فصعد داره، وأرسل إلي بصرَّة فيها أربعة وعشرون ديناراً. وقال عمرو بن سواد السرحي: كان الشافعي أسخى الناس على الدينار والدرهم والطعام، فقال لي الشافعي: «أفلستُ في عمري ثلاث إفلاسات، فكنت أبيع قليلي وكثيري، حتى حليّ ابنتي وزوجتي، ولم أرهن قط».
ــ الورع والعبادة
كان الشافعي ورعاً كثير العبادة، فقد كان يختم القرآن في كل ليلة ختمة، فإذا كان شهر رمضان ختم في كل ليلة منها ختمة، وفي كل يوم ختمة، وكان يختم في شهر رمضان ستين ختمة.
وعن الربيع بن سليمان المرادي المصري أنه قال: «كان الشافعي يختم القرآن في شهر رمضان ستين مرة، كل ذلك في صلاة».
وقال الحسين بن علي الكرابيسي: «بتُّ مع الشافعي ثمانين ليلة، كان يصلي نحو ثلث الليل، لا يمر بآية رحمة إلا سأل الله لنفسه وللمؤمنين أجمعين، ولا يمر بآية عذاب إلا تعوّذ بالله منها، وسأل النجاة لنفسه ولجميع المسلمين، وكأن جُمع له الرجاءُ والرهبةُ».
وقال الحارث بن سريج: دخلت مع الشافعي على خادم للرشيد، وهو في بيت قد فرش بالديباج، فلما وَضع الشافعيُ رجلَه على العتبة أبصره (أي أبصر الديباج)، فرجع ولم يدخل، فقال له الخادم: «ادخل»، فقال: «لا يحل افتراشُ هذا»، فقام الخادمُ متمشياً، حتى دخل بيتاً قد فرش بالأرمني، فدخل الشافعي، ثم أقبل عليه فقال: «هذا حلال، وذاك حرام، وهذا أحسن من ذاك وأكثر ثمناً منه»، فتبسم الخادم، وسكت.
وعن الربيع بن سليمان أنه قال: قال الشافعي: «ما شبعت منذ ست عشرة سنة إلا شبعةً اطّرحتها (يعني فطرحتها)؛ لأن الشبعَ يثقل البدن، ويقسي القلب، ويزيل الفطنة، ويجلب النوم، ويضعف صاحبه عن العبادة».
ــ الحث على طلب العلم
كان الشافعيُّ يدعو إلى طلب العلم فيقول: «من تعلم القرآن عظمت قيمته، ومن كتب الحديث قويت حجته، ومن نظر في الفقه نبُل قدره، ومن نظر في اللغة رَقَّ طبعُه، ومن نظر في الحساب جزل رأيه، ومن لم يصن نفسه لم ينفعه علمه».
وعن الحميدي أنه قال: «كان الشافعي ربما ألقى علي وعلى ابنه أبي عثمان المسألة، فيقول: «أيكما أصاب فله دينار»،
وعن الربيع بن سليمان أنه قال: سمعت الشافعي يقول: «طلب العلم أفضل من صلاة النافلة».
ــ حسن صوته
ولما بلغ سنتين قررت امه العودة وابنها إلى مكة لأسباب عديدة منها حتى لا يضيع نسبه ، ولكي ينشأ على ما ينشأ عليه أقرانه ، فأتم حفظ القران وعمره سبع سنين . عرف الشافعي بشجو صوته في القراءة ، قال ابن نصر : كنا إذا أردنا أن نبكي قال بعضنا لبعض : قوموا إلى هذا الفتى المطلبي يقرأ القران ، فإذا أتيناه (يصلي في الحرم ) استفتح القرآن حتى يتساقط الناس ويكثر عجيجهم بالبكاء من حسن صوته فإذا رأى ذلك امسك من القراءة
ــ فصاحته
لقد كان الشافعي فصيح اللسان بليغ حجة في لغة العرب عاش فترة من صباه في بني هذيل فكان لذلك اثر واضحا على فصاحته وتضلعه في اللغة والأدب والنحو ، إضافة إلى دراسته المتواصلة واطلاعه الواسع حتى أصبح يرجع إليه في اللغة والنحو .فكما مر بنا سابقا فقد قال الأصمعي صححت أشعار هذيل على فتى من قريش يقال له محمد بن ادريس . وقال احمد بن حنبل : كان الشافعي من أفصح الناس ، وكان مالك تعجبه قراءته لأنه كان فصيحا .وقال احمد بن حنبل : ما مس أحد محبرة ولا قلما إلا وللشافعي في عنقه منة . وقال أيوب بن سويد : خذوا عن الشافعي اللغة .
ويعتبر معظم شعر الإمام الشافعي في شعر التأمل ، والسمات الغالبة على هذا الشعر هي ( التجريد والتعميم وضغط التعبير ) وهي سمات كلاسيكية ، إذ أن مادتها فكرية في المقام الأول ، وتجلياتها الفنية هي المقابلات والمفارقات التي تجعل من الكلام ما يشبه
الأمثال السائرة أو الحكم التي يتداولها الناس ومن ذلك :
الدهر يومان ذا أمن وذا خطر *** والعيش عيشان ذا صفو وذا كدر
أما ترى البحر تعلو فوقه جيف *** وتستقر بأقـصى قـاعه الدرر
وفي السماء نجوم لا عداد لها *** وليس يكسف الا الشمس والقمر
وأبيات تدل على تذللـه لله عز وجل :
بموقف ذلي دون عزتك العظمى *** بمخفي سـر لا أحيــط به علما
باطراق رأسـي باعترافي بذلتي *** بمد يدي استمطر الجود والرحمى
بأسمائك الحسنى التي بعض وصفها *** لعزتها يستغرق النثر والنظما
أذقنا شراب الانس يا من اذا سقى *** محبا شرابا لا يضام ولا يظما
ــ رحلته إلى المدينة المنورة
لما انتشر اسم إمام المدينة مالك بن أنس في الآفاق، وتناقلته الركبان، وبلغ مبلغاً عظيماً في العلم والحديث، سمت همة الشافعي إلى الهجرة إلى المدينة المنورة في طلب العلم. ومما روي عن الشافعي في هذا المقام أنه قال: «فارقت مكة وأنا ابن أربع عشرة سنة، لا نبات بعارضي من الأبطح إلى ذي طوى، فرأيت ركباً فحملني شيخ منهم إلى المدينة، فختمت من مكة إلى المدينة ست عشرة ختمة، ودخلت المدينة يوم الثامن بعد صلاة العصر، فصليت العصر في مسجد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ولذت بقبره، فرأيت مالك بن أنس رحمه الله متزراً ببردة متشحاً بأخرى، يقول: «حدثني نافع عن ابن عمر عن صاحب هذا القبر»، يضرب بيده قبر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فلما رأيت ذلك هبته الهيبة العظيمة».
وذهب الشافعي إلى الإمام مالك، فلما رآه الإمامُ مالكٌ قال له: يا محمدٌ اتق الله، واجتنب المعاصي، فإنه سيكون لك شأن من الشأن، إن الله قد ألقى على قلبك نوراً، فلا تطفئه بالمعصية.
ثم قال له: «إذا ما جاء الغد تجيء ويجيء ما يقرأ لك». يقول الشافعي: «فغدوت عليه وابتدأت أن أقرأ ظاهراً، والكتاب في يدي، فكلما تهيبت مالكاً وأردت أن أقطع، أعجبه حسن قراءتي وإعرابي، فيقول: «يا فتى زد»، حتى قرأته عليه في أيام يسيرة».
وقد روي عن الشافعي أنه قال: قدمت على مالكٍ وقد حفظت الموطأ ظاهراً، فقلت: «إني أريد أن أسمع الموطأ منك»، فقال: «اطلب من يقرأ لك»، وكررت عليه فقلت: «لا، عليك أن تسمع قراءتي، فإن سهل عليك قرأت لنفسي»، قال: «اطلب من يقرأ لك»، وكررت عليه، فقال: «اقرأ»، فلما سمع قراءتي قال: «اقرأ»، فقرأت عليه حتى فرغت منه. وحكى الإمام أحمد عن الشافعي أنه قال: «أنا قرأت على مالك وكانت تعجبه قراءتي»، قال الإمام أحمد: «لأنه كان فصيحاً»، وقال ابن كثير: «وكذلك كان حسن الصوت بتلاوة القرآن».
وبعد أن روى الشافعي عن الإمام مالك موطأه لزمه يتفقهُ عليه، ويدارسُه المسائلَ التي يفتي فيها الإمام، إلى أن مات الإمامُ سنة 179 هـ، وقد بلغ الشافعي شرخ الشباب، ويظهر أنه مع ملازمته للإمام مالك كان يقوم برحلات في البلاد الإسلامية يستفيد منها، ويتعلم أحوال الناس وأخبارهم، وكان يذهب إلى مكة يزور أمه ويستنصح بنصائحها.
ــ رحلته إلى اليمن وولايته بأرض نجران
لما مات الإمام مالك، وأحس الشافعي أنه نال من العلم أشطراً، وكان إلى ذلك الوقت فقيراً، اتجهت نفسه إلى عمل يكتسب منه ما يدفع حاجته، ويمنع خصاصته، وصادف في ذلك الوقت أن قدم إلى مكة المكرمة والي اليمن، فكلمه بعض القرشيين في أن يصحبه الشافعي، فأخذه ذلك الوالي معه، ويقول الشافعي في ذلك: «ولم يكن عند أمي ما تعطيني ما أتحمل به، فرهنت داراً فتحملت معه، فلما قدمنا عملت له على عمل»، وفي هذا العمل تبدو مواهب الشافعي، فيشيع ذكرُه عادلاً ممتازاً، ويتحدث الناس باسمه في بطاح مكة. ولما تولى الشافعي ذلك العمل أقام العدل، وكان الناس يصانعون الولاة والقضاة ويتملقونهم، ليجدوا عندهم سبيلاً إلى نفوسهم، ولكنهم وجدوا في الشافعي عدلاً لا سبيل إلى الاستيلاء على نفسه بالمصانعة والملق، ويقول هو في ذلك: «وليت نجران وبها بنو الحارث بن عبد المدان، وموالي ثقيف، وكان الوالي إذا أتاهم صانعوه، فأرادوني على نحو ذلك فلم يجدوا عندي».
ــ رحلته إلى بغداد ومحنته
لما نزل الشافعي باليمن، ومن أعمالها نجران، كان بها والٍ ظالم، فكان الشافعي يأخذ على يديه، أي ينصحه وينهاه، ويمنع مظالمه أن تصل إلى من تحت ولايته، وربما نال الشافعي ذلك الوالي بالنقد، فأخذ ذلك الوالي يكيد له بالدس والسعاية والوشاية. وفي ذلك الزمانِ الذي كان فيه الحكمُ للعباسيين، كان العباسيون يُعادون خصومَهم العلويين، لأنهم يُدلون بمثل نسبهم، ولهم من رحم الرسول محمد ما ليس لهم، فإذا كانت دولة العباسيين قامت على النسب، فأولئك يَمُتُّون بمثله، وبرحم أقرب، ولذا كانوا إذا رأوا دعوة علوية قضوا عليها وهي في مهدها، ويقتلون في ذلك على الشبهة لا على الجزم واليقين، إذ يرون أن قتل بريء يستقيم به الأمر لهم، أولى من ترك مُتَّهمٍ يَجوز أن يُفسد الأمنَ عليهم.
جاء والي نجران العباسيين من هذه الناحية، واتهم الشافعي بأنه مع العلوية، فأرسل إلى الخليفة هارون الرشيد: «إن تسعة من العلوية تحرَّكوا»، ثم قال في كتابه: «إني أخاف أن يخرجوا، وإن ها هنا رجلاً من ولد شافع المطلبي لا أمر لي معه ولا نهي»، وقيل أنه قال في الشافعي: «يعمل بلسانه ما لا يقدر عليه المقاتل بسيفه»، فأرسل الرشيد أن يَحضرَ أولئك النفرُ التسعةُ من العلوية ومعهم الشافعي. ويقال أنه قتل التسعة، ونجا الشافعي؛ بقوة حجته، وشهادة القاضي محمد بن الحسن الشيباني، أما قوة حجته فكانت بقوله للرشيد وقد وجه إليه التهمةَ بين النطع والسيف: «يا أمير المؤمنين، ما تقول في رجلين أحدهما يراني أخاه، والآخر يراني عبده، أيهما أحب إلي؟»، قال: «الذي يراك أخاه»، قال: «فذاك أنت يا أمير المؤمنين، إنكم ولد العباس، وهم ولد علي، ونحن بنو المطلب، فأنتم ولد العباس تروننا إخوتكم، وهم يروننا عبيدهم».
وأما شهادة محمد بن الحسن الشيباني فذلك لأن الشافعي استأنس لما رآه في مجلس الرشيد عند الاتهام، فذكر بعد أن ساق ما ساق أن له حظاً من العلم والفقه، وأن القاضي محمداً بن الحسن يعرف ذلك، فسأل الرشيدُ محمداً، فقال: «له من العلم حظٌ كبير، وليس الذي رُفع عليه من شأنه»، قال: «فخذه إليك حتى انظرَ في أمره»، وبهذا نجا.
كان قدوم الشافعي بغداد في هذه المحنة سنة 184 هـ، أي وهو في الرابعة والثلاثين من عمره، فكانت هذه المحنة خيراً له، فقد وجَّهته إلى العلم بدل الولاية وتدبير شؤون السلطان، ذلك بأنه نزل عند محمد بن الحسن، وكان من قبلُ يسمع باسمه وفقهه، وأنه حاملُ فقه العراقيين وناشرُه، وربما التقى به من قبل. أخذ الشافعي يدرس فقه العراقيين، فقرأ كتب الإمام محمد وتلقاها عليه، وبذلك اجتمع له فقه الحجاز وفقه العراق، اجتمع له الفقه الذي يغلب عليه النقل، والفقه الذي يغلب عليه العقل، وتخرج بذلك على كبار الفقهاء في زمانه، ولقد قال في ذلك ابن حجر: «انتهت رياسة الفقه في المدينة إلى مالك بن أنس، فرحل إليه ولازمه وأخذ عنه، وانتهت رياسة الفقه في العراق إلى أبي حنيفة، فأخذ عن صاحبه محمد بن الحسن حملاً، ليس فيه شيء إلا وقد سمعه عليه، فاجتمع علم أهل الرأي وعلم أهل الحديث، فتصرف في ذلك حتى أصَّل الأصول، وقعَّد القواعد، وأذعن له الموافق والمخالف، واشتهر أمره، وعلا ذكره، وارتفع قدره حتى صار منه ما صار».
وقد كان الشافعي يلزم حلقة محمد بن الحسن الشيباني، قال الشافعي: «أنفقت على كتب محمد بن الحسن ستين ديناراً، ثم تدبرتها، فوضعت إلى جنب كل مسألة حديثاً (يعني: رداً عليه)»، ولكنه كان مع ذلك يعتبر نفسه من صحابة مالك، ومن فقهاء مذهبه، وحملة موطأه، يحامي عليه ويذب عنه ويدافع عن فقه أهل المدينة، ولذلك كان إذا قام محمد من مجلسه ناظر أصحابه، ودافع عن فقه الحجازيين وطريقتهم، قال الشافعي: «...وكان محمد بن الحسن جيد المنزلة، فاختلفت إليه وقلت: هذا أشبه لي من طريق العلم، فلزمته، وكتبت كتبه، وعرفت قولهم، وكان إذا قام ناظرت أصحابه»،ولعله كان لا يناظر محمداً نفسَه إعظاماً لمكان الأستاذ، ولكن محمداً بلغه أنه يناظر أصحابه، فطلب منه أن يناظره، فاستحيا وامتنع، وأصر محمد، فناظره مستكرهاً في مسألة كَثُرَ استنكارُ أهل العراق فيها لرأي أهل الحجاز، وهي "مسألة الشاهد واليمين"، فناقش الشافعيُ محمداً فيها، ويقول الرواة من الشافعية أن الفلحَ كان للشافعي.
ــ عودته إلى مكة ووضع أصول الفقه
أقام الشافعي في بغداد تلميذاً لابن حسن، ومناظراً له ولأصحابه على أنه فقيه مدني من أصحاب مالك، ثم انتقل بعد ذلك إلى مكة، ومعه من كتب العراقيين حِملُ بعير، ولم يذكر أكثرُ الرواة مدة إقامته في بغداد في هذه القدمة، ولا بد أنه أقام مدة معقولة تكفي للتخرج على أهل الرأي ومدارستِهم، ولعلها كانت نحو سنتين.
عاد الشافعي إلى مكة، وأخذ يُلقي دروسه في الحرم المكي، والتقى به أكبر العلماء في موسم الحج، واستمعوا إليه، وفي هذا الوقت التقى به أحمد بن حنبل، وقد أخذت شخصية الشافعي تظهر بفقه جديد، لا هو فقهُ أهلِ المدينةِ وحدَهم، ولا فقهَ أهلِ العراقِ وحدَهم، بل هو مزيج منهما وخلاصةُ عقل الشافعي الذي أنضجه علم الكتاب والسنة، وعلمُ العربية وأخبار الناس والقياس والرأي، ولذلك كان من يلتقي به من العلماء يرى فيه عالماً هو نسيجٌ وحدَه.
أقام الشافعي بمكة في هذه القدمة نحواً من تسع سنوات، ولا بد أن الشافعي بعد أن رأى نوعين مختلفين من الفقه، وبعد أن ناظر وجادل، وجد أنه لا بد من وضع مقاييس لمعرفة الحق من الباطل، أو على الأقل لمعرفة ما هو أقرب للحق، فإنه ليس من المعقول بعد أن شاهد وعاين ما بين نظرِ الحجازيين والعراقيين من اختلاف، ولأصحاب النظرين مكانٌ من احترامه وتقديره، أن يحكمَ ببطلان أحدِ النظرين جملةً من غير ميزان ضابط دقيق، لهذا فكَّر في استخراج قواعد الاستنباط، فتوافر على الكتاب يعرف طرق دلالاته، وعلى الأحكام يعرف ناسخها ومنسوخها، وخصائص كل منهما، وعلى السنة يعرف مكانها من علم الشريعة، ومعرفة صحيحها وسقيمها، وطرق الاستدلال بها، ومقامها من القرآن الكريم، ثم كيف يستخرج الأحكام إذا لم يكن كتاب ولا سنة، وما ضوابط الاجتهاد في هذا المقام، وما الحدود التي تُرسَم للمجتهد فلا يعدوها، ليأمن من شطط الاجتهاد. لأجل هذا طال مقامه، مع أنه كان صاحب سفر، فهو لا بد في هذه الأثناء قد انتهى إلى وضع أصول الاستنباط وخرج بها على الناس، ولعله عندما انتهى إلى قدر يصحُّ إخراجُه وعرضُه للجمهرة من الفقهاء، سافر إلى بغداد التي كانت عشَّ الفقهاء جميعاً، إذ ضَؤلَ أمرُ المدينة بعد وفاة الإمام مالك، وبعد أن صار ببغداد أهلُ الرأي وأهلُ الحديث معاً.
ــ رحلته الثانية إلى بغداد
قدم الشافعي بغداد للمرة الثانية في سنة 195 هـ، وقد قدم وله طريقةٌ في الفقه لم يسبق بها، وجاء وهو لا ينظر إلى الفروع يفصِّل أحكامَها وإلى المسائل الجزئية يفتي فيها فقط، بل جاء وهو يحمل قواعد كلية، أصَّل أصولها، وضبط بها المسائل الجزئية، فقد جاء إذن بالفقه علماً كلياً لا فروعاً جزئيةً، وقواعدَ عامةً لا فتاوىً وأقضيةً خاصةً، فرأت فيه بغداد ذلك، فانثال عليه العلماء والمتفقهون، وطلبه المحدثون وأهل الرأي جميعاً. وفي هذه القدمة ذُكر أنه ألف لأول مرة من كتاب الرسالة الذي وضع به الأساس لعلم أصول الفقه. وقد رُوي أن عبد الرحمن بن مهدي التمس من الشافعي وهو شاب أن يضع له كتاباً يذكر فيه شرائط الاستدلال بالقرآن والسنة والإجماع والقياس وبيان الناسخ والمنسوخ ومراتب العموم والخصوص، فوضع الشافعي كتاب الرسالة وبعثه إليه، فلما قرأه عبد الرحمن بن مهدي قال: «ما أظن أن الله عز وجل خلق مثل هذا الرجل»، وقيل أن الشافعي قد صنف كتاب الرسالة وهو ببغداد، ولما رجع إلى مصر أعاد تصنيف كتاب الرسالة.
أخذ الشافعي ينشر بالعراق تلك الطريقةَ الجديدةَ التي استنَّها، ويجادلُ على أساسها، وينقد مسائل العلم على أصولها، ويؤلف الكتب وينشر الرسائل، ويتخرج عليه رجالُ الفقه، ومكث في هذه القدمة سنتين، ثم عاد بعد ذلك إليها سنة 198 هـ وأقام أشهراً فيها، ثم اعتزم السفر إلى مصر، فرحل إليها، وقد وصل سنة 199 هـ.
أما سببُ تقصيرِه الإقامةَ في بغداد في هذه القدمة الأخيرة، مع أنها كانت عشَّ العلماء، وقد صار له بها تلاميذُ ومريدون، والعلم ينتشر بين ربوعها، ولم يكن لمصر في ذلك الوقت مكانةٌ علميةٌ كمكانة بغداد أو تقاربها، فهو أنه في سنة 198 هـ كانت الخلافة لعبد الله المأمون، وفي عهد المأمون ساد أمر لا يستطيب الشافعيُ الإقامةَ في ظله، وهو أن المأمون كان من الفلاسفة المتكلمين، فأدنى إليه المعتزلة، وجعل منهم كُتَّابَه وحُجَّابَه وجلساءَه، والمقرَّبين إليه الأدنين، والمحكَّمين في العلم وأهله، والشافعي كان ينفر من المعتزلة ومناهج بحثهم، ويفرض عقوبة على بعض من يخوض مثل خوضهم، ويتكلم في العقائد على طريقتهم، فما كان لمثل الشافعي أن يرضى بالمقام معهم، وتحت ظل الخليفة الذي مكَّن لهم، حتى أدَّاه الأمرُ بعد ذلك إلى أن أنزل بالفقهاء والمحدثين المحنة التي تسمى محنة خلق القرآن، وروي أن المأمون عرض على الشافعي أن يولِّيَه القضاء، فاعتذر الشافعي.
ــ رحلته إلى مصر
لم يَطِبْ للشافعي المقامُ ببغداد، وكان لا بد من الرحيل منها، ولم يجد مهاجَراً ولا سَعةً إلا في مصر، ذلك أن واليَها عباسيٌ هاشميٌ قرشيٌ، قال ياقوت الحموي: «وكان سبب قدومه إلى مصر أن العباس بن عبد الله بن العباس بن موسى بن عبد الله بن عباس دعاه، وكان العباسُ هذا خليفةً لعبد الله المأمون على مصر». ولقد قال الشافعي عندما أراد السفر إلى مصر
لقد أصبحتْ نفسي تتوق إلى مصرِ *** ومن دونها قطعُ المهامةِ والفقرِ
فواللـه ما أدري، الفوزُ والغنى *** أُساق إليها أم أُساق إلى القبرِ
قدم الشافعي مصر سنة 199 هـ، وقد رُوي عن الربيع بن سليمان أنه قال: وقال لي يوماً (يقصد الشافعي): «كيف تركت أهل مصر؟»، فقلت: «تركتهم على ضربين: فرقةٌ منهم قد مالت إلى قول مالك، وأخذت به واعتمدت عليه وذبَّت عنه وناضلت عنه، وفرقةٌ قد مالت إلى قول أبي حنيفة، فأخذت به وناضلت عنه»، فقال: «أرجو أن أقدم مصر إن شاء الله، وآتيهم بشيء أشغلهم به عن القولين جميعاً». قال الربيع: «ففعل ذلك والله حين دخل مصر».
ولما قدم الشافعي مصر نزل على أخواله الأزد، قال ياسين بن عبد الواحد: لما قدم علينا الشافعي مصر، أتاه جَدِّي وأنا معه فسأله أن ينزلَ عليه، فأبى وقال: «إني أريد أن أنزل على أخوالي الأزد»، فنزل عليهم. وقد ذكر الإمام أحمد أن الشافعي قصد من نزوله على أخواله متابعةَ السنةِ فيما فعل النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة من النزول على أخواله، فقد نزل النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة على بني النجار، وهم أخوال عبد المطلب.
<-> شيوخ الإمام الشافعي
تلقى الشافعي الفقه والحديث على شيوخ قد تباعدت أماكنهم، وتخالفت مناهجهم، حتى لقد كان بعضهم معتزلياً ممن كانوا يشتغلون بعلم الكلام الذي كان الشافعي ينهى عنه، ولقد نال منهم ما رآه خيراً، فأخذ ما يراه واجبَ الأخذ، وترك ما يراه واجبَ الرد. لقد أخذ الشافعي عن شيوخ بمكة وشيوخ بالمدينة وشيوخ باليمن وشيوخ بالعراق، ومشايخُه الذين روى عنهم كثيرون، أما المشهورون منهم والذين كانوا من أهل الفقه والفتوى فهم عشرون، خمسة مكية، وستة مدنية، وأربعة يمانية، وخمسة عراقية.
أما الذين من أهل مكة فهم:
- سفيان بن عيينة بن أبي عمران الهلالي.
- مسلم بن خالد بن فروة الزنجي.
- سعيد بن سالم القداح.
- داوود بن عبد الرحمن العطار.
- عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد.
وأما الذين من أهل المدينة فهم:
- مالك بن أنس بن مالك الأصبحي المدني.
- إبراهيم بن سعد بن إبراهيم الزهري.
- عبد العزيز بن محمد بن عبيد بن أبي عبيد الدراوردي.
- إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي.
- محمد بن أبي سعيد بن أبي فُدَيْك.
- عبد الله بن نافع الصائغ.
وأما الذين من أهل اليمن فهم:
- مُطَرَّف بن مازن الصنعاني.
- هشام بن يوسف الصنعاني قاضي صنعاء.
- عمرو بن أبي سلمة التنيسي، وهو صاحب الأوزاعي.
- يحيى بن حسان بن حيان التنيسي البكري، وهو صاحب الليث بن سعد.
وأما الذين من أهل العراق فهم:
- محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني الحنفي.
- وكيع بن الجراح بن مليح الرؤاسي الكوفي.
- حماد بن أسامة بن زيد، أبو أسامة الكوفي.
- إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم البصري.
- عبد الوهاب بن عبد المجيد بن الصلت الثقفي البصري.
- سفيان بن عيينة بن أبي عمران الهلالي.
- مسلم بن خالد بن فروة الزنجي.
- سعيد بن سالم القداح.
- داوود بن عبد الرحمن العطار.
- عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد.
وأما الذين من أهل المدينة فهم:
- مالك بن أنس بن مالك الأصبحي المدني.
- إبراهيم بن سعد بن إبراهيم الزهري.
- عبد العزيز بن محمد بن عبيد بن أبي عبيد الدراوردي.
- إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي.
- محمد بن أبي سعيد بن أبي فُدَيْك.
- عبد الله بن نافع الصائغ.
وأما الذين من أهل اليمن فهم:
- مُطَرَّف بن مازن الصنعاني.
- هشام بن يوسف الصنعاني قاضي صنعاء.
- عمرو بن أبي سلمة التنيسي، وهو صاحب الأوزاعي.
- يحيى بن حسان بن حيان التنيسي البكري، وهو صاحب الليث بن سعد.
وأما الذين من أهل العراق فهم:
- محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني الحنفي.
- وكيع بن الجراح بن مليح الرؤاسي الكوفي.
- حماد بن أسامة بن زيد، أبو أسامة الكوفي.
- إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم البصري.
- عبد الوهاب بن عبد المجيد بن الصلت الثقفي البصري.
<-> تلاميذ الإمام الشافعي
نبغ على الإمام الشافعي كثير من الناس، في مقدمتهم
- إبراهيم بن خالد بن أبي اليمان أبو ثور الكلبي البغدادي.
- إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل بن عمرو بن إسحاق، أبو إبراهيم المزني المصري، قال فيه الشافعي: «المزني ناصر مذهبي».
- الحارث بن أسد أبو عبد الله المحاسبي، أحد مشايخ الصوفية.
- الحارث بن سريج البغدادي أبو عمرو النقال.
- حرملة بن يحيى بن عبد الله بن حرملة بن عمران التجيبي أبو حفص المصري.
- الحسن بن محمد بن الصباح أبو علي البغدادي الزعفراني.
- الحسين بن علي بن يزيد أبو علي البغدادي الكرابيسي.
- الربيع بن سليمان بن داوود الجيزي أبو محمد الأزدي.
- الربيع بن سليمان بن عبد الجبار بن كامل المرادي، قال فيه الشافعي: «الربيع راويتي»، وقيل أنه آخر من روى عن الشافعي بمصر.
- عبد الله بن الزبير بن عيسى بن عبيد الله الأسدي القرشي، الإمام أبو بكر الحميدي المكي.
- يوسف بن يحيى القرشي أبو يعقوب البويطي المصري، قال فيه الشافعي: «ليس أحد أحق بمجلسي من أبي يعقوب، وليس أحد من أصحابي أعلم منه»
- سليمان بن داوود بن علي بن عبد الله بن عباس، أبو أيوب الهاشمي القرشي البغدادي.
- عبد العزيز بن يحيى بن عبد العزيز بن مسلم بن ميمون، أبو الحسن الكناني المكي.
- بحر بن نصر بن سابق الخولاني، أبو عبد الله المصري.
<-> مؤلفات الإمام الشافعي
لم يُعرف لإمام قبل الإمام الشافعي من المؤلفات في الأصول والفروع والفقه وأدلته، بل في التفسير والأدب ما عرف للشافعي كثرةً وبراعةً وإحكامًا؛ يقول ابن زُولاق: "صنف الشافعي نحوًا من مائتي جزء".
ولقد كان في سرعة التاليف مع الدقة والنضج والإتقان أعجوبة منقطع النظير، حتى إنه ربما أنجز كتابًا في نصف نهار. يقول يونس بن عبد الأعلى: "كان الشافعي يضع الكتاب من غدوة إلى الظهر".
وللشافعي رحمه الله تعالى الكثير من المصنفات في أصول الفقه وفروعه
أما الكتب التي تجمع أصول الفقه وتدل على الفروع فهي:
- كتاب الرسالة القديمة (كتبه في بغداد)
- كتاب الرسالة الجديدة (كتبه في مصر)
- كتاب اختلاف الأحاديث
- كتاب جمَّاع العلم
- كتاب إبطال الاستحسان
- كتاب أحكام القرآن
- كتاب بيان فرض الله عز وجل
- كتاب صفة الأمر والنهي
- كتاب اختلاف مالك والشافعي
- كتاب اختلاف العراقيين
- كتاب الرد على محمد بن الحسن
- كتاب علي وعبد الله
- كتاب فضائل قريش
وهناك كتب مصنفة في الفروع، وقد جمعت كلها في كتاب واحد اسمه كتاب الأم. وله كتاب في الطهارة، وكتاب في الصلاة، وكتاب في الزكاة، وكتاب في الحج، وكتاب في النكاح وما في معناه، وكتاب في الطلاق وما في معناه، وفي الإيلاء والظهار واللعان والنفقات، أملاها على أصحابه، ورواها عنه الربيع بن سليمان المرادي.
<-> منهج الإمام الشافعي
أخذ الإمام الشافعي بالمصالح المرسلة والاستصلاح، ولكن لم يسمها بهذا الاسم، وأدخلها ضمن القياس وشرحها شرحًا موسعًا. وكذلك كان الشافعي يأخذ بالعرف مثل مالك. وكان الشافعي يتمسك بالأحاديث الصحيحة، ويُعرِض عن الأخبار الواهية والموضوعة، واعتنى بذلك عناية فائقة؛ قال أبو زُرعة: "ما عند الشافعي حديث فيه غلط".
وقد وضع الشافعي في فن مصطلح الحديث مصطلحات كثيرة، لم يُسبَق إليها، مثل: الاتصال، والشاذ، والثقة، والفرق بين حدَّثنا وأخبرنا.
<-> منهجه الفقهي
أصدقُ وصف لمنهج الشافعي الفقهي والعلمي أنه المنهج المتكامل، أو كما قال عنه العلماء: طبيبٌ صيدلاني، فلقد كان الناس كلُّهم قبل زمان الشَّافعي فريقين؛ أصحاب الحديث، وأصحاب الرأي، أمَّا أصحاب الحديث: فكانوا حافظين لأخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا إنهم كانوا عاجزين عن النَّظر والجدل، وكلما أورد عليهم أحدُ أصحاب الرأي سؤالاً أو إشكالاً؛ بقوا على ما في أيديهم، عاجزين متحيِّرين، وأما أصحاب الرأي، فكانوا أصحاب الجدل والنظر، إلا أنهم كانوا فارغين من معرفة الآثار والسنن، وأما الشافعيُّ؛ فإنه كان عارفاً بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، محيطاً بقوانينها، وكان عارفاً بآداب النظر والجدل وقوياً فيه، وكان فصيح اللسان، قادراً على قهر الخصوم، فأخذ في نصرة أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان كلُّ من أورد عليه سؤالاً أو إشكالاً، أجاب عنه بأجوبة شافية كاملة، فانقطع بسببه استيلاء أهل الرأي على أصحاب الحديث، وتخلَّص بسببه أصحابُ الحديث من شبهات أهل الرأى، فلهذا السبب انطلقت الألسنة بمدحه ولقَّبوه بناصر الحديث.
فمدرسة الشافعيِّ الفقهية مزيج من فقه المدرستين؛ النقلية والعقلية، ومع ذلك كان أثرياً سلفياً يعتمد على الوحيين: القرآن والسنة ثم القياس والإجماع، وكان يقول: "كلُّ من كان على الكتاب والسنة هو الجِدُّ، وما سواه هو الهذيان"، ويقول: "إذا صحَّ الحديث فهو مذهبي، وإذا صحَّ الحديث فاضربوا بقولي عرض الحائط، فأيُّ سماء تظلُّني وأيُّ أرض تقلُّني إذا رويتُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً فلم أقل به"!.
وكان الشافعيُّ شديداً على أهل الأهواء والبدع، وكان كثيراً ما يقول: "لأن يلقى اللهُ العبد بكلِّ ذنب ما خلا الشرك بالله، خيرٌ من أن يلقاه بشيءٍ من الهوى"، ويقول: "حكمي في أهل الكلام؛ أن يُضربوا بالجريد، ويحملوا على الإبل، ويُطاف بهم في العشائر والقبائل، ويُنادى عليهم: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على الكلام"، وكان ينهى أصحابه عن الخوض في كلام المبتدعة، وينهى عن الصلاة خلف الرافضيِّ والمرجئيِّ والقدريِّ المعتزليِّ، وأفتى بكفر من يقول بخلق القرآن.
وهذا الاتِّباع التام للحديث والعمل بالأثر جعل الإمام الشَّافعيّ يرجع عن كثير من أقواله بعد أن دخل مصر، وسمع ما عند المصريِّين من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصار في مذهبه قولان: القديم وهو في العراق حتى سنة 198هـ، الجديد وهو في مصر حتى حتى وفاته سنة 204 هـ، وهذا الرجوع للحديث والعمل به لا يقدم عليه إلا العلماء والعاملون المخلصون الربانيون، وكم من متفقه ومتعالم يُقدِّم رأيَ إمامه وشيخه على حديث النبي صلى الله عليه وسلم ولا يُبالي هل يخالفه أم لا، وهذا هو عين نكبة المسلمين الآن!
<-> أصول مذهبه
- الأصل الأول : كتاب الله
والاستدلال به يتوقف على معرفة اللغة، ومعرفة أقسامها. وهو ينقسم إلى : أمر ونهي، وعام وخاص، ومجمل ومبين، وناسخ ومنسوخ.
- الأصل الثاني : السنة
والسنة في المصطلح : تُطلق على ما صدر من النبي من ألأقوال، والأفعال، والتقرير، والهم، وهذا الأخير لم يذكره الأصوليون، ولكن الشافعي استعمله في الاستدلال
- الأصل الثالث : الإجماع
الإجماع في المصطلح : هو اتفاق مجتهدي أمة محمد صلى الله عليه وسلم بعد وفاته في حادثة على أمر من الأمور في عصر من العصور. فخرج اتفاق العوامّ، فلا عبرة بوفاقهم ولا خلافهم، ويخرج أيضا اتفاق بعض المجتهدين. وبالإضافة إلى أمة محمد صلى الله عليه وسلم خرج اتفاق الأمم السابقة، وإن قيل بأنه حجة على رأي، لكن الكلام في الإجماع الذي هو حجة.
- الأصل الرابع : قول الصحابي
قال الإمام الشافعي في كتاب الأم : ما كان الكتاب والسنة موجودين فالعذر على من سمعهما مقطوع إلا باتباعهما، فإذا لم يكن كذلك صرنا إلى أقاويل أصحاب الرسول أو واحدهم، وكان قول الأئمة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضوان الله عليهم أحب إلينا إذا صرنا إلى التقليد، ولكن إذا لم نجد دلالة في الاختلاف تدل على أقرب الاختلاف من الكتاب والسنة فنتبع القول الذي معه الدلالة، لأن قول الإمام مشهور فإنه يلزم الناس ومن لزم قوله الناس كان أظهر ممن يفتي الرجل والنفر، وقد يأخذ بفتياه وقد يدعها، وأكثر المفتين يفتون الخاصة في بيوتهم ومجالسهم، ولا يعني الخاصة بما قالوا : عنايتهم بما قال الإمام. ثم قال : فإذا لم يوجد عن الأئمة فأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدين في موضع الأمانة أخذنا بقولهم، وكان اتباعهم أولى بنا من اتباع من بعدهم . البحر المحيط 6/55
- الأصل الخامس :القياس
القياس في المصطلح : هو رد الفرع إلى الأصل بعلة تجمعهما في الحكم وهو ينقسم إلى ثلاثة أقسام إلى قياس علة وقياس دلالة وقياس شبهة.
<-> ترتيب الأدلة عند الشافعية
قال الإمام الشافعي : " وَالْعِلْمُ طَبَقَاتٌ : الْأُولَى : الْكِتَابُ، وَالسُّنَّةُ إذَا ثَبَتَتْ السُّنَّةُ. وَالثَّانِيَةُ : الْإِجْمَاعُ مِمَّا لَيْسَ فِي كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ. وَالثَّالِثَةُ : أَنْ يَقُولَ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا نَعْلَمُ لَهُ مُخَالِفًا فِيهِمْ. وَالرَّابِعَةُ : اخْتِلَافُ أَصْحَابِ الرَّسُولِ. وَالْخَامِسَةُ : الْقِيَاسُ عَلَى بَعْضِ هَذِهِ الطَّبَقَاتِ. وَلَا يُصَارُ إلَى شَيْءٍ غَيْرَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَهُمَا مَوْجُودَانِ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ الْعِلْمُ مِنْ أَعْلَى ". البحر المحيط للزركشي 6/55
<-> نوادر من حكم الشّافعيّ
قال رحمه اللّه : طلب العلم أفضل من صلاة النّافلة .
وقال : من أراد الدّنيا فعليه بالعلم ، ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم .
وقال : من وعظ أخاه سرّا فقد نصحه ، وزانه ، ومن ، وعظه علانية فقد فضحه ، وشانه .
وقال : من سام بنفسه فوق ما يساوي ، ردّه اللّه إلى قيمته .
وقال : من حضر مجلس العلم بلا محبرة وورق، كان كمن حضر الطاحون بغير قمح .
وقال : من تعلم القرآن عظمت قيمته، ومن نظر في الفقه نبل مقداره، ومن تعلم اللغة رقَّ طبعه، ومن تعلم الحساب جزل رأيه، ومن كتب الحديث قويت حجته، ومن لم يصن نفسه لم ينفعه علمه .
<-> ما قيل عن الإمام الشافعي
وقال عنه عبدُ الرحمن بن مهدي وهو شيخه: "ما أصلي صلاةً إلا وأنا أدعو للشافعي".
وقال أبو ثور: "كان الشافعي من معادن الفقه ونقَّاد المعاني وجهابذة الألفاظ".
وقال يحيى القطان: "ما رأيتُ أعقل ولا أفقهَ من الشافعي".
وقال ابنُ عبد الحكم: "ما رأيت الشَّافعيّ يناظر أحداً إلا رَحِمْتُه، ولو رأيتَ الشَّافعيَّ يناظرك لظننت أنه سبُعٌ يأكلك".
وقال الربيع بن سليمان: «كان الشافعي جزَّأ الليل ثلاثة أجزاء: الأول يكتب، والثاني يصلي، والثالث ينام».
<-> وفاة الإمام الشافعي
ألحَّ على الإمام الشافعي المرض وأذابه السقم ووقف الموت ببابه ينتظر انتهاء الأجل. وفي هذه الحال، دخل عليه تلميذه المزني فقال: كيف أصبحت؟ قال: "أصبحتُ من الدنيا راحلاً، وللإخوان مفارقًا، ولكأس المنيَّة شاربًا، وعلى الله جلَّ ذكره واردًا، ولا والله ما أدري روحي تصير إلى الجنة فأهنِّئها، أو إلى النار فأعزِّيها"، ثم بكى.
وقد دُفِنَ الإمام الشافعي (رحمة الله تعالى عليه) بالقاهرة في أول شعبان، يوم الجمعة سنةَ 204هـ/ 820م. وكان له ولدان ذكران وبنت، وكان قد تزوج من امرأة واحدة.
وفي النهاية لا نقول إلا رحم الله الإمام الشافعي وجزاه الله عنا كل خير لأنه نفعنا بعلمه الغزير وساعدنا على فهم ديننا الحنيف الذي يحاربه الكثير والكثير من المشركين بالتشكيك فيه ولولا هؤلاء العلماء وجهدهم للتوصل إلى حلول كثيرة حول التطور وتغير الحضارات لضاع شباب الإسلام من كثرة المفسدات وندعوا الله سبحانه وتعالى أن يرزق الأمة الإسلامية مثل الإمام الشافعي رحمه الله تعالى وأخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على أشرف الخلق سيدنا ومولانا محمد وعلى اله وصحبه وسلم تسليما كثيرا الى يوم الدين ،وحسبنا الله ونعم الوكيل ،نعم المولى ونعم النصير .
<-> المراجع
- سـير أعـلام النبـلاء , للإمام الذهبي
- جمهرة أنساب العرب ، ابن الكلبي
- العبر في خبر من غبر ، للإمام الذهبي
- الوافي بالوفيات ، الصفدي
- صفة الصفوة ، ابن الجوزي
- الإمام الشافعي فقيه السنة الأكبر ، عبد الغني الدقر
- تاريخ التشريع الإسلامي ، الخضري
- مقدمة كتاب الأم , للشافعي رحمه الله
- الشافعي : حياته وعصره - آراؤه الفقهية , محمد أبو زهرة
- منازل الائمه الاربعه , السلماسي
- اداب الشافعي ومناقبه , لإبن ابي حاتم الرازي
- توالي التأسيس لمعالي محمد بن إدريس , أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
- مناقب الشافعي , أحمد بن الحسين بن علي بن موسى البيهقي
- طبقات الشافعية الكبرى , السبكي
- طبقات الشافعية , لابن قاضي شهبة
- طبقات الشافعيين , ابن كثير الدمشقي
لم يُعرف لإمام قبل الإمام الشافعي من المؤلفات في الأصول والفروع والفقه وأدلته، بل في التفسير والأدب ما عرف للشافعي كثرةً وبراعةً وإحكامًا؛ يقول ابن زُولاق: "صنف الشافعي نحوًا من مائتي جزء".
ولقد كان في سرعة التاليف مع الدقة والنضج والإتقان أعجوبة منقطع النظير، حتى إنه ربما أنجز كتابًا في نصف نهار. يقول يونس بن عبد الأعلى: "كان الشافعي يضع الكتاب من غدوة إلى الظهر".
وللشافعي رحمه الله تعالى الكثير من المصنفات في أصول الفقه وفروعه
أما الكتب التي تجمع أصول الفقه وتدل على الفروع فهي:
- كتاب الرسالة القديمة (كتبه في بغداد)
- كتاب الرسالة الجديدة (كتبه في مصر)
- كتاب اختلاف الأحاديث
- كتاب جمَّاع العلم
- كتاب إبطال الاستحسان
- كتاب أحكام القرآن
- كتاب بيان فرض الله عز وجل
- كتاب صفة الأمر والنهي
- كتاب اختلاف مالك والشافعي
- كتاب اختلاف العراقيين
- كتاب الرد على محمد بن الحسن
- كتاب علي وعبد الله
- كتاب فضائل قريش
وهناك كتب مصنفة في الفروع، وقد جمعت كلها في كتاب واحد اسمه كتاب الأم. وله كتاب في الطهارة، وكتاب في الصلاة، وكتاب في الزكاة، وكتاب في الحج، وكتاب في النكاح وما في معناه، وكتاب في الطلاق وما في معناه، وفي الإيلاء والظهار واللعان والنفقات، أملاها على أصحابه، ورواها عنه الربيع بن سليمان المرادي.
<-> منهج الإمام الشافعي
وقد وضع الشافعي في فن مصطلح الحديث مصطلحات كثيرة، لم يُسبَق إليها، مثل: الاتصال، والشاذ، والثقة، والفرق بين حدَّثنا وأخبرنا.
<-> منهجه الفقهي
أصدقُ وصف لمنهج الشافعي الفقهي والعلمي أنه المنهج المتكامل، أو كما قال عنه العلماء: طبيبٌ صيدلاني، فلقد كان الناس كلُّهم قبل زمان الشَّافعي فريقين؛ أصحاب الحديث، وأصحاب الرأي، أمَّا أصحاب الحديث: فكانوا حافظين لأخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا إنهم كانوا عاجزين عن النَّظر والجدل، وكلما أورد عليهم أحدُ أصحاب الرأي سؤالاً أو إشكالاً؛ بقوا على ما في أيديهم، عاجزين متحيِّرين، وأما أصحاب الرأي، فكانوا أصحاب الجدل والنظر، إلا أنهم كانوا فارغين من معرفة الآثار والسنن، وأما الشافعيُّ؛ فإنه كان عارفاً بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، محيطاً بقوانينها، وكان عارفاً بآداب النظر والجدل وقوياً فيه، وكان فصيح اللسان، قادراً على قهر الخصوم، فأخذ في نصرة أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان كلُّ من أورد عليه سؤالاً أو إشكالاً، أجاب عنه بأجوبة شافية كاملة، فانقطع بسببه استيلاء أهل الرأي على أصحاب الحديث، وتخلَّص بسببه أصحابُ الحديث من شبهات أهل الرأى، فلهذا السبب انطلقت الألسنة بمدحه ولقَّبوه بناصر الحديث.
فمدرسة الشافعيِّ الفقهية مزيج من فقه المدرستين؛ النقلية والعقلية، ومع ذلك كان أثرياً سلفياً يعتمد على الوحيين: القرآن والسنة ثم القياس والإجماع، وكان يقول: "كلُّ من كان على الكتاب والسنة هو الجِدُّ، وما سواه هو الهذيان"، ويقول: "إذا صحَّ الحديث فهو مذهبي، وإذا صحَّ الحديث فاضربوا بقولي عرض الحائط، فأيُّ سماء تظلُّني وأيُّ أرض تقلُّني إذا رويتُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً فلم أقل به"!.
وكان الشافعيُّ شديداً على أهل الأهواء والبدع، وكان كثيراً ما يقول: "لأن يلقى اللهُ العبد بكلِّ ذنب ما خلا الشرك بالله، خيرٌ من أن يلقاه بشيءٍ من الهوى"، ويقول: "حكمي في أهل الكلام؛ أن يُضربوا بالجريد، ويحملوا على الإبل، ويُطاف بهم في العشائر والقبائل، ويُنادى عليهم: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على الكلام"، وكان ينهى أصحابه عن الخوض في كلام المبتدعة، وينهى عن الصلاة خلف الرافضيِّ والمرجئيِّ والقدريِّ المعتزليِّ، وأفتى بكفر من يقول بخلق القرآن.
وهذا الاتِّباع التام للحديث والعمل بالأثر جعل الإمام الشَّافعيّ يرجع عن كثير من أقواله بعد أن دخل مصر، وسمع ما عند المصريِّين من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصار في مذهبه قولان: القديم وهو في العراق حتى سنة 198هـ، الجديد وهو في مصر حتى حتى وفاته سنة 204 هـ، وهذا الرجوع للحديث والعمل به لا يقدم عليه إلا العلماء والعاملون المخلصون الربانيون، وكم من متفقه ومتعالم يُقدِّم رأيَ إمامه وشيخه على حديث النبي صلى الله عليه وسلم ولا يُبالي هل يخالفه أم لا، وهذا هو عين نكبة المسلمين الآن!
<-> أصول مذهبه
- الأصل الأول : كتاب الله
والاستدلال به يتوقف على معرفة اللغة، ومعرفة أقسامها. وهو ينقسم إلى : أمر ونهي، وعام وخاص، ومجمل ومبين، وناسخ ومنسوخ.
- الأصل الثاني : السنة
والسنة في المصطلح : تُطلق على ما صدر من النبي من ألأقوال، والأفعال، والتقرير، والهم، وهذا الأخير لم يذكره الأصوليون، ولكن الشافعي استعمله في الاستدلال
- الأصل الثالث : الإجماع
الإجماع في المصطلح : هو اتفاق مجتهدي أمة محمد صلى الله عليه وسلم بعد وفاته في حادثة على أمر من الأمور في عصر من العصور. فخرج اتفاق العوامّ، فلا عبرة بوفاقهم ولا خلافهم، ويخرج أيضا اتفاق بعض المجتهدين. وبالإضافة إلى أمة محمد صلى الله عليه وسلم خرج اتفاق الأمم السابقة، وإن قيل بأنه حجة على رأي، لكن الكلام في الإجماع الذي هو حجة.
- الأصل الرابع : قول الصحابي
قال الإمام الشافعي في كتاب الأم : ما كان الكتاب والسنة موجودين فالعذر على من سمعهما مقطوع إلا باتباعهما، فإذا لم يكن كذلك صرنا إلى أقاويل أصحاب الرسول أو واحدهم، وكان قول الأئمة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضوان الله عليهم أحب إلينا إذا صرنا إلى التقليد، ولكن إذا لم نجد دلالة في الاختلاف تدل على أقرب الاختلاف من الكتاب والسنة فنتبع القول الذي معه الدلالة، لأن قول الإمام مشهور فإنه يلزم الناس ومن لزم قوله الناس كان أظهر ممن يفتي الرجل والنفر، وقد يأخذ بفتياه وقد يدعها، وأكثر المفتين يفتون الخاصة في بيوتهم ومجالسهم، ولا يعني الخاصة بما قالوا : عنايتهم بما قال الإمام. ثم قال : فإذا لم يوجد عن الأئمة فأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدين في موضع الأمانة أخذنا بقولهم، وكان اتباعهم أولى بنا من اتباع من بعدهم . البحر المحيط 6/55
- الأصل الخامس :القياس
القياس في المصطلح : هو رد الفرع إلى الأصل بعلة تجمعهما في الحكم وهو ينقسم إلى ثلاثة أقسام إلى قياس علة وقياس دلالة وقياس شبهة.
<-> ترتيب الأدلة عند الشافعية
قال الإمام الشافعي : " وَالْعِلْمُ طَبَقَاتٌ : الْأُولَى : الْكِتَابُ، وَالسُّنَّةُ إذَا ثَبَتَتْ السُّنَّةُ. وَالثَّانِيَةُ : الْإِجْمَاعُ مِمَّا لَيْسَ فِي كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ. وَالثَّالِثَةُ : أَنْ يَقُولَ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا نَعْلَمُ لَهُ مُخَالِفًا فِيهِمْ. وَالرَّابِعَةُ : اخْتِلَافُ أَصْحَابِ الرَّسُولِ. وَالْخَامِسَةُ : الْقِيَاسُ عَلَى بَعْضِ هَذِهِ الطَّبَقَاتِ. وَلَا يُصَارُ إلَى شَيْءٍ غَيْرَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَهُمَا مَوْجُودَانِ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ الْعِلْمُ مِنْ أَعْلَى ". البحر المحيط للزركشي 6/55
<-> نوادر من حكم الشّافعيّ
قال رحمه اللّه : طلب العلم أفضل من صلاة النّافلة .
وقال : من أراد الدّنيا فعليه بالعلم ، ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم .
وقال : من لم تعزّه التّقوى فلا عزّ له .
وقال : ما فزعت من فقر قطّ .
وقال : طلب فضول الدّنيا عقوبة عاقب اللّه بها أهل التّوحيد .
وقيل للشّافعيّ : مالك تدمن إمساك العصا ، ولست بضعيف ؟ فقال : لأذكر أنّي مسافر يعني في الدّنيا .
وقال : من شهد الضّعف من نفسه نال الاستقامة .
وقال : من غلبته شدّة الشّهوة للدّنيا لزمته العبوديّة لأهلها ، ومن رضي بالقنوع زال عنه الخضوع .
وقال : خير الدّنيا ، والآخرة في خمس خصال : غنى النّفس ، وكفّ الأذى ، وكسب الحلال ، ولباس التّقوى ، والثّقة باللّه تعالى على كلّ حال .
وقال : أنفع الذّخائر التّقوى ، وأضرّها العدوان .
وقال : من أحبّ أن يفتح اللّه قلبه أو ينوّره ، فعليه بترك الكلام فيما لا يعنيه ، واجتناب المعاصي ، ويكون له خبيئة فيما بينه ، وبين اللّه تعالى من عمل ، وفي رواية : فعليه بالخلوة ، وقلّة الأكل ، وترك مخالطة السّفهاء ، وبغض أهل العلم الّذين ليس معهم إنصاف ولا أدب
وقال : لا يعرف الرّياء مخلص .
وقال : الكيّس العاقل هو الفطن المتغافل . وقال : من وعظ أخاه سرّا فقد نصحه ، وزانه ، ومن ، وعظه علانية فقد فضحه ، وشانه .
وقال : من سام بنفسه فوق ما يساوي ، ردّه اللّه إلى قيمته .
وقال : أرفع النّاس قدرا من لا يرى قدره ، وأكثرهم فضلا من لا يرى فضله .
وقال : من ضُحِكَ منه في مسألة لم ينسها أبدًا.وقال : من حضر مجلس العلم بلا محبرة وورق، كان كمن حضر الطاحون بغير قمح .
وقال : من تعلم القرآن عظمت قيمته، ومن نظر في الفقه نبل مقداره، ومن تعلم اللغة رقَّ طبعه، ومن تعلم الحساب جزل رأيه، ومن كتب الحديث قويت حجته، ومن لم يصن نفسه لم ينفعه علمه .
<-> ما قيل عن الإمام الشافعي
قال عبد الملك الميموني: كنت عند أحمد بن حنبل، وجرى ذكر الشافعي، فرأيت أحمد يرفعه، وقال: يُروى عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يقرر لها دينها»، فكان عمر بن عبد العزيز رضيَ الله عنه على رأس المائة، وأرجو أن يكون الشافعي عل رأس المائة الأخرى.
وعن إسحاق بن راهويه أنه قال: كنا بمكة والشافعي بها، وأحمد بن حنبل بها، فقال لي أحمد بن حنبل: «يا أبا يعقوب، جالس هذا الرجل (يعني: الشافعي)»، قلت: «ما أصنع به، وسنه قريب من سننا؟ أترك ابن عيينة والمقبري؟»، فقال: «ويحك! إن ذاك يفوت، وذا لا يفوت»، فجالسته.
وقال أحمد بن حنبل: «إني لأدعو لمحمد بن إدريس في صلاتي منذ أربعين سنة، فما كان فيهم (يعني الفقهاء) أتبع لحديث رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم منه».
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قلت لأبي: «أي رجل كان الشافعي، فإني أسمعك تكثر من الدعاء له؟»، فقال لي: «يا بني، كان الشافعي كالشمس للدنيا، وكالعافية للناس، فانظر هل لهذين من خلف أو منهما عِوض».
وقال يونس بن عبد الأعلى: "لو جمعت أمة لوسعهم عقل الشافعي".
وقال إسحاق بن راهويه: "لقيني أحمد بن حنبل بمكة، فقال: تعالَ حتى أريك رجلاً لم ترَ عيناك مثله. قال: فأقامني على الشافعي".
وقال المزني: "ما رأيت أحسن وجهًا من الشافعي، إذا قبض على لحيته لا يفضل عن قبضته".
وقال بحر بن نصر : ما رأيت ، ولا سمعت كان في عصر الشّافعيّ أتقى للّه ، ولا أورع ، ولا أحسن صوتا بالقرآن منه .
وقال الحميديّ كان الشّافعيّ يختم في كلّ شهر ستّين ختمة . وقال عنه عبدُ الرحمن بن مهدي وهو شيخه: "ما أصلي صلاةً إلا وأنا أدعو للشافعي".
وقال أبو ثور: "كان الشافعي من معادن الفقه ونقَّاد المعاني وجهابذة الألفاظ".
وقال يحيى القطان: "ما رأيتُ أعقل ولا أفقهَ من الشافعي".
وقال ابنُ عبد الحكم: "ما رأيت الشَّافعيّ يناظر أحداً إلا رَحِمْتُه، ولو رأيتَ الشَّافعيَّ يناظرك لظننت أنه سبُعٌ يأكلك".
وقال الربيع بن سليمان: «كان الشافعي جزَّأ الليل ثلاثة أجزاء: الأول يكتب، والثاني يصلي، والثالث ينام».
<-> وفاة الإمام الشافعي
ألحَّ على الإمام الشافعي المرض وأذابه السقم ووقف الموت ببابه ينتظر انتهاء الأجل. وفي هذه الحال، دخل عليه تلميذه المزني فقال: كيف أصبحت؟ قال: "أصبحتُ من الدنيا راحلاً، وللإخوان مفارقًا، ولكأس المنيَّة شاربًا، وعلى الله جلَّ ذكره واردًا، ولا والله ما أدري روحي تصير إلى الجنة فأهنِّئها، أو إلى النار فأعزِّيها"، ثم بكى.
وقد دُفِنَ الإمام الشافعي (رحمة الله تعالى عليه) بالقاهرة في أول شعبان، يوم الجمعة سنةَ 204هـ/ 820م. وكان له ولدان ذكران وبنت، وكان قد تزوج من امرأة واحدة.
وفي النهاية لا نقول إلا رحم الله الإمام الشافعي وجزاه الله عنا كل خير لأنه نفعنا بعلمه الغزير وساعدنا على فهم ديننا الحنيف الذي يحاربه الكثير والكثير من المشركين بالتشكيك فيه ولولا هؤلاء العلماء وجهدهم للتوصل إلى حلول كثيرة حول التطور وتغير الحضارات لضاع شباب الإسلام من كثرة المفسدات وندعوا الله سبحانه وتعالى أن يرزق الأمة الإسلامية مثل الإمام الشافعي رحمه الله تعالى وأخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على أشرف الخلق سيدنا ومولانا محمد وعلى اله وصحبه وسلم تسليما كثيرا الى يوم الدين ،وحسبنا الله ونعم الوكيل ،نعم المولى ونعم النصير .
<-> المراجع
- سـير أعـلام النبـلاء , للإمام الذهبي
- جمهرة أنساب العرب ، ابن الكلبي
- العبر في خبر من غبر ، للإمام الذهبي
- الوافي بالوفيات ، الصفدي
- صفة الصفوة ، ابن الجوزي
- الإمام الشافعي فقيه السنة الأكبر ، عبد الغني الدقر
- تاريخ التشريع الإسلامي ، الخضري
- مقدمة كتاب الأم , للشافعي رحمه الله
- الشافعي : حياته وعصره - آراؤه الفقهية , محمد أبو زهرة
- منازل الائمه الاربعه , السلماسي
- اداب الشافعي ومناقبه , لإبن ابي حاتم الرازي
- توالي التأسيس لمعالي محمد بن إدريس , أحمد بن علي بن حجر العسقلاني
- مناقب الشافعي , أحمد بن الحسين بن علي بن موسى البيهقي
- طبقات الشافعية الكبرى , السبكي
- طبقات الشافعية , لابن قاضي شهبة
- طبقات الشافعيين , ابن كثير الدمشقي
روابط هذه التدوينة قابلة للنسخ واللصق | |
URL | |
HTML | |
BBCode |
0 التعليقات:
إرسال تعليق